فصل: (فرع: وجود بعض الأصناف المستحقة في البلدة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: مكان قسم الزكاة]

قال الشيخ أبو حامد: فإن دخل إلى ذلك البلد قبل تفرقة الزكاة في أهله قوم غرباء، وخالطوهم، ونزلوا البلد نزول استيطان.. شاركوا أهل البلد في تلك الزكاة؛ لأنها لم تقسم في الجوار، وقد صار هؤلاء في الجوار.
وإن كان عشر زرع أو ثمرة.. صرف ذلك إلى فقراء البلد الذي فيه الأرض. وإن كان مال تجارة.. صرفت صدقته في فقراء البلد الذي يحول حول التجارة وهو فيه.
وإن كان في بادية حينئذ.. صرفت في فقراء أقرب البلاد إلى ذلك الموضع.
وإن كان له أربعون من الغنم، في كل بلد عشرون، فأخرج شاة في إحدى البلدين.. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كرهت، وأجزأه).
فمن أصحابنا من قال: يجوز، قولا واحدا؛ لأنه يشق إخراج الشاة في بلدين.
ومنهم من قال: إنما ذلك على القول الذي يجوز نقل الصدقة. فأما على القول الذي يقول: لا يجوز.. فلا يجزئه، قولًا واحدا، وهو الأصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال: (كرهت، وأجزأه). فلولا أنه أراد على أحد القولين.. لما قال: (كرهت).
وإن كان من وجبت عليه الزكاة بدويًا.. نظرت:
فإن كانوا أهل حلل راتبة لا يظعنون عنها صيفًا ولا شتاء.. فحكمهم حكم أهل البلد؛ لأنهم لم يخالفوهم إلا في الأبنية.
وإن كانوا أهل نجعة، وهو الذين إذا أخصب موضع رحلوا إليه، فإذا أجدبت رحلوا عنه.. نظرت:
فإن كانت حللهم متفرقة.. اعتبر الجوار بالمال، لا برب المال، وحد الجوار: من كان منهم على مسافة لا تقصر فيها الصلاة من موضع المال، فهو من أهل صدقة هذا المال المذكور، فيجوز الدفع إليه، قولًا واحدًا.
وإن نقلت الصدقة عنهم إلى أبعد منهم.. كانت على الخلاف المذكور في نقل الصدقة عن أهل الحضر.
فإن كان معهم مساكين يتنقلون معهم أينما انتقلوا، وهناك قوم من جيرانهم لا يظعنون بظعنهم، وكانوا يقيمون بإقامتهم.. كان من ينتقل بانتقالهم أولى بالصدقة. فإن أعطى الآخرين.. جاز.
وإن كانت حللهم مجتمعة، وكل حلة متميزة عن الأخرى.. ففيه وجهان:
أحدهما: حكمهم حكم ما لو كانت حللهم متفرقة، على ما ذكرناه؛ لأنهم يجرون مجرى البيوت المتفرقة.
والثاني: أن كل حلة منفردة بمنزلة البلد والقرية، فتفرق الصدقة عليهم؛ لأن أهل كل حلة يتميزون عن الحلة الأًخرى، كما يتميز أهل البلد.
فإن نقلت الصدقة عنهم.. كان على الخلاف المذكور في نقل الصدقة.

.[فرع: وجود بعض الأصناف المستحقة في البلدة]

وإن وجد في بلد المال بعض الأصناف.. فهل يُغلب حكم البلد، أو حكم الأصناف؟ فيه وجهان:
أحدهما: يًُغلب حكم البلد، فيدفع إلى من في البلد من الأصناف جميع الزكاة؛ لأن عدم الشيء في موضعه وإن كان موجودًا في غيره، بمنزلة عدمه أصلًا، كما نقول فيمن عدم الماء في موضعه: فإنه يحوز له التيمم وإن كان موجودًا في غيره.
والثاني: يغلب حكم الأصناف، فيدفع إلى أصناف البلد حصتهم، وينقل حصة الباقين إليهم بأقرب البلاد إليه، وهو الأصح؛ لأن استحقاق الأصناف ثابت بنص القرآن، واعتبار البلد ثابت بخبر الواحد والقياس، فكان اعتبار ما ثبت بنص القرآن أولى.
فإذا قلنا: يغلب البلد، فنقلها إلى غيرهم.. فهل يضمن؟ فيه قولان، كما في نقل الصدقة.
وإذا قلنا: يغلب الصنف، ففرقها في البلد.. ضمن، قولًا واحدًا.

.[فرع: نقل الزكاة إلى القريب في البلد]

وإذا كان الأجنبي أقرب إلى جواره، وله قريب أبعد منه، ولم يخرج عن البلد.. فالقريب أولى؛ لأنه قد حصل له حق الجوار، وإن كان قريبه في بلد آخر، فنقل الصدقة إليه.. فهل يجزئه؟ فيه قولان، كما لو نقلها إلى أجنبي.

.[مسألة: قسم الزكاة على الأصناف وفاضل]

وإن قسم الزكاة على جميع الأصناف في البلد، فكانت حصة كل صنف وفق حاجته، أو دون حاجته، أو كان نصيب بعض الأصناف وفق حاجته، ونصيب بعضهم دون حاجته.. دفع إلى كل صنف ما يخصه من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن كل صنف ملك حصته، فلا ينقص.
وإن كان نصيب بعضهم وفق حاجته، ونصيب بعضهم يفضل عن حاجته.. نقل ما فضل عن نصيب الآخرين إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد إليه.
وإن كان نصيب بعضهم يفضل عن حاجته، ونصيب البعض ينقص عن حاجته: فإن قلنا: المغلب حكم البلد.. نقل الفضل إلى من نقص نصيبه عن حاجته.
وإن قلنا: المغلب حكم الأصناف.. نقل الفضل إلى ذلك الصنف في أقرب البلاد إليه.

.[مسألة: تنقل زكاة الفطر]

وإن وجبت عليه زكاة الفطر في بلد، وماله فيه فُرقت في ذلك البلد، فإن نقلها عنه.. كان على الخلاف المذكور في نقل الصدقة، وإن كان ماله في بلد، وهو في بلد آخر.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن موضع تفرقتها بلد المال، كزكاة المال.
الثاني: أن موضع تفرقتها الموضع الذي هو فيه؛ لأن الزكاة تتعلق بعينه.
وإن وجبت عليه نفقة قريب وفطرته، وهما في بلدين.. فالذي يقتضي المذهب: أن يُبنى على الوجهين في أنها وجبت على القريب، ثم تحملها عنه المؤدي، أو وجبت على المؤدي.
فإن قلنا: وجبت على المؤدى عنه.. كان موضع تفرقتها بلد المؤدى عنه.
وإن قلنا: وجبت على المؤدي.. كان موضع تفرقتها بلد المؤدي.

.[مسألة: استحقاق أهل السهام]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إنما يستحق أهل السهمان سواء العاملين يوم يكون القسم)، وقال في موضع آخر: (إذا مات واحد منهم بعد وجوب الزكاة.. كان حقه لورثته، سواء كانوا أغنياء أو فقراء).
قال أصحابنا: ليست على قولين، وإنما هي على اختلاف حالين:
فالذي قال: (يعتبر وقت الوجوب، وإذا مات أحدهم نقل حقه إلى وارثه) أراد: إذا كانت الزكاة وجبت في بلد لقوم معينين، مثل: أن يكون في بلد ثلاثة من صنف لا غير.. فإن نصيب ذلك الصنف يتعين لهم، فلا يتغير بحدوث شيء، فلو كان واحد منهم فقيرًا عند الوجوب، وكان غنيًا وقت التفرقة.. لم يسقط حقه بغناه، وكذلك: إن دخل غريب فقير، واستوطن ذلك البلد بعد الوجوب، وقبل القسمة.. لم يشاركهم، وإن مات واحد من الثلاثة.. كان ما يخصه من السهم لوارثه، غنيًا كان أو فقيرًا.
والموضع الذي قال: (يعتبر حال المدفوع إليه وقت القسمة) أراد: إذ وجبت الزكاة لقوم غير معينين، مثل: أن يكون في البلد أكثر من ثلاثة من كل صنف.. فإنها لا تتعين لواحد منهم؛ لأن لرب المال أن يعطي ثلاثة ممن شاء منهم. وإن كان غنيًا وقت الوجوب، وكان فقيرًا وقت القسمة.. أُعطي. وإن كان فقيرًا وقت الوجوب، ثم صار غنيًا وقت القسمة.. لم يعط. وإن دخل غريب قبل تفرقة الزكاة.. كان كالواحد من فقراء البلد. وإن مات واحد من الفقراء قبل القسمة.. لم ينتقل نصيبه إلى وارثه. هذا نقل الشيخ أبي حامد والبغداديين من أصحابنا.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\ 461] لو كان مساكين القرية محصورين، ووجبت زكاة مال، فمات واحد من المساكين قبل وصول الصدقة إليه:
فإن قلنا: لا يجوز نقل الصدقة.. دفع نصيبه إلى وارثه، سواء كان وارثه تحل له الصدقة أو لا تحل؛ لأن هذا الميت قد تعين لوجوب صرف بعض الصدقة إليه.
وإن قلنا: يجوز نقل الصدقة.. لم يدفع إلى وارثه نصيبه.

.[مسألة: لا تصح الصدقة للنبي]

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآلهكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا تحل له الصدقة المفروضة؛ لما روى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى تمرة ملقاة، فقال:لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة.. لأكلتها».
وأما صدقة التطوع: فقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يمتنع منها، وهل كان يمتنع منها تنزيهًا، أو تحريما ً؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه كان يمتنع منها لأنها محرمة عليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة». ولم يفرق.
والثاني: أنها كانت لا تحرم عليه؛ لأن الهدية كانت تحل له، فحلت له صدقة التطوع.
وأما آل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب: فكانت الصدقة المفروضة لا تحل لهم، ولا يجزئ دفعها إليهم؛ لما روي: «أن الحسن بن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأرضاهما - أخذ تمرة من الصدقة، ووضعها في فمه، وهو طفل، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:كخٍ كخ، إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة» وإن منعوا حقهم من الخمس.. ففيه وجهان:
أحدهما: تحل لهم الصدقة؛ لأنهم إنما حرموا الصدقة المفروضة؛ لما يأخذون من الخمس.
والثاني: لا تحل لهم، وهو الصحيح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة». ولم يفرق.
وفي مواليهم وجهان:
أحدهما: لا تحل لهم الصدقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «موالي القوم من أنفسهم».
والثاني: تحل لهم؛ لأنهم لا يلحقون بمواليهم في الشرف. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (هذا الحكم يختص ببني هاشم، فأما بنو المطلب: فتحل لهم).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد»، ولأنه حكم يتعلق بذوي القربى، فاستوى فيه الهاشمي والمطلبي في استحقاق خمس الخمس.

.[فرع: لا حق للإمام في الزكاة]

وأما الإمام: فلا حق له في الزكاة، وإن تولى قسمتها بنفسه.. لم يستحق سهم العامل؛ لأنه يستحق رزقه من بيت المال.
والدليل عليه: ما روي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شرب لبنًا، فقيل له: هو من نعم الصدقة، فاستقاءه).
فإن قيل: فقد استهلكه، فأي فائدة في ذلك؟
قلنا: لأنه كره بقاء ما ليس له في جوفه، خوفًا من أن يتعود الناس ذلك.
قال الشيخ أبو حامد: وكذلك: ينبغي لمن أكل طعامًا حرامًا أو شرب خمرًا أن يتقيأه.
وروي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جيء بمسك، فوضع يده على أنفه، فقيل له في ذلك، فقال: وهل يراد من المسك إلا ريحه؟!). وهذا نهاية الورع منه - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وأرضاه.

.[مسألة: لا تدفع الزكاة لكافر]

ولا يجوز دفع الزكاة إلى كافر، وروي ذلك عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وأرضاهما.
قال الزهري، وابن سيرين: يجوز دفعها إلى المشركين.
وقال أبو حنيفة: (يجوز صرف زكاة الفطر خاصة إلى أهل الذمة).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أعلمهم أن عليهم صدقة، توخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم». وهذا خطاب للمسلمين.

.[مسألة: دفع الزكاة للوالد ونحوه]

إذا كان له والد أو ولد يجب عليه نفقته.. فلا يجوز له أن يعطيه من زكاته من سهم الفقراء والمساكين؛ لأن نفقته واجبة عليه، ويجوز أن يعطيه من سهم الغارمين؛ لأنه لا يجب عليه قضاء دينه، ويجوز أن يدفع إليه من سهم الغزاة مع الغنى والفقر، ولا يجوز له أن يدفع إليه من سهم المؤلفة مع الفقر؛ لأن نفعه يعود إليه.
قال أصحابنا المتقدمون: ويجوز أن يعطي ولده ووالده الفقيرين من سهم العامل إذا كانا عاملين.
قال القاضي أبو الفتوح: وهذا غير صحيح؛ لأنه لا يتصور أن يعطي الإنسان العامل شيئًا من زكاة ماله.
وقال ابن الصباغ: أراد أصحابنا: إذا كان الدافع الإمام فيجوز له أن يعطي ولد رب المال ووالده من سهم العاملين إذا كان عاملًا من زكاة والده أو ولده.
وإن كانا من أبناء السبيل فاختلف أصحابنا فيه:
فقال المحاملي، وغيره من أصحابنا: لا يجوز أن يعطيه نفقته من زكاته؛ لأن نفقته عليه حاضراَ كان أو مسافرًا، ولكن يعطيه للحمولة؛ لأنه لا يجب عليه حمله.
وقال ابن الصباغ، والقاضي أبو الفتوح: لا يعطيه قدر نفقة الحاضر، ويجوز أن يعطيه ما زاد على نفقة الحضر للسفر.
قلت: ويحتمل أن يكون في ما زاد على نفقة الحضر وجهان مأخوذان من الوجهين في قدر نفقة العامل في القراض من مال القراض إذا قلنا: تجب فيه.
وإن كان هذا القريب مكاتبًا.. فلا تجب عليه نفقته، ويجوز أن يعطيه من سهم الرقاب.
وإن أراد أجنبي أن يعطي هذا القريب الفقير الذي له من تجب عليه نفقته.. ففيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\456]:
أحدهما: يجوز؛ لأنه لا مال له، ولا كسب، وهذا بصفة من تحل له الصدقة.
والثاني: لا يُعطى؛ لأن غناه بقريبه الذي تجب عليه نفقته، بمنزلة غناه بمال نفسه.
وإن كان لرجل زوجة فقيرة، وهو غني.. فهل يجوز لغير الزوج أن يعطيها من الزكاة؟ على هذين الوجهين.
وإن أراد الزوج أن يعطيها من زكاته لم تخل: إما أن تكون مقيمة، أومسافرة: فإن كانت مقيمة.. لم يجز له أن يعطيها من سهم الفقراء والمساكين؛ لأنها إن كانت تحت طاعته.. فهي مستغنية بوجوب النفقة عليه، وإن كانت ناشزة.. فيمكنها الرجوع إلى طاعته.
وإن كانت مسافرة.. نظرت:
فإن كانت سافرت مع الزوج بإذنه.. فنفقتها وحمولتها عليه، وإن سافرت معه بغير إذنه.. فنفقتها عليه؛ لأنها في قبضته، ولا تجب عليه حمولتها، ولا يجوز له أن يعطيها للحمولة من زكاته؛ لأنها عاصية بسفرها. هكذا ذكرها في " المجموع ".
وذكر الشيح أبو حامد في "التعليق": يجوز له أن يعطيها من زكاته للحمولة، وإن سافرت وحدها بغير إذنه.. لم يجز له أن يعطيها شيئًا من سهم ابن السبيل؛ لأنها عاصية.
قال الشيخ أبو حامد: ويجوز أن يُعطيها من سهم الفقراء والمساكين؛ لموضع حاجتها.
وقال ابن الصباغ: يعطيها إذا أرادت الرجوع؛ لأنه طاعة، وإن أرادت السفر.. لم يعطها شيئًا، ويفارق الناشزة إذا كانت حاضرة؛ لأنه يمكنها المعاودة إلى طاعته، وهاهنا: لا يمكنها المعاودة في حال سفرها.
وإن خرجت وحدها بإذنه.. فهل تسقط نفقتها؟ فيه قولان:
ف الأول: إن قلنا: تسقط.. جاز أن يعطيها للنفقة والحمولة من الزكاة.
والثاني: إن قلنا: لا تسقط.. لم يُعطها للنفقة، ولكن يعطيها للحمولة؛ لأنها لا تجب عليه. هذا ترتيب الشيخ أبي حامد، وأصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\ 456] هل للزوج صرف زكاته إلى زوجته الفقيرة؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأنها غنية به.
والثاني: يجوز؛ لأن نفقتها عليه بمنزلة الأجرة في الإجارة، ولو استأجر أجيرًا فقيرًا.. جاز له صرف زكاته إليه.
وإن أراد الزوج أن يُعطي زوجته من سهم الفقراء والمساكين - ولا يتصور أن تكون عاملة؛ لأن المرأة لا تلي العمالة، ولكن يتصور أن تكون مكاتبة وغارمة - فيعطيها من هذين السهمين.

.[فرع: دفع المرأة زكاتها لزوجها]

وإن كانت الزوجة غنية، والزوج فقيرًا.. فيجوز لها أن تدفع إليه من سهم الفقراء والمساكين، وكذلك: إذا كان من باقي الأصناف.
وقال أبو حنيفة: (لا يجوز).
دليلنا: أن النكاح عقد معاوضة، فلم يمنع من دفع الصدقة، كالبيع والإجارة، ولأن بينهما نسبًا لا تجب به نفقته عليها، فجاز لها أن تدفع إليه من زكاتها، كنسب ابن العم.

.[مسألة: لا تصرف الزكاة إلى الرقيق]

ولا يجوز صرف الزكاة إلى عبد؛ لأن نفقته على مولاه، ولا يحوز دفعها إلى صبي؛ لأنه لا يصح قبضه، بل يدفعها إلى وليه إن كان الصبي محتاجًا.

.[مسألة: استرجاع الزكاة]

إذا دفع الإمام الزكاة إلى من ظاهره الفقر، فبان غنيا.. استرجع منه إن كان باقيًا، وإن كان تالفًا.. أخذ منه البدل، وصرف إلى فقير.
وإن لم يكن له مال.. لم يجب على رب المال أن يخرج الزكاة ثانيًا؛ لأن الزكاة قد سقطت عنه بدفعها إلى الإمام، ولا يجب على الإمام ضمان؛ لأنه أمين غير مفرط؛ لأن حال الغنى يخفى من حال الفقر.
وإن كان الذي دفع إليه رب المال.. لم يجزه، فإن بين عند الدفع أنها زكاة.. فله أن يرجع. وإن لم يبين.. لم يرجع؛ لأنه قد يدفع الواجب والتطوع، فلم يرجع إلا بالشرط، بخلاف الإمام، فإن له أن يرجع بكل حال. فإن بين أنها زكاة، ولم يجد للمدفوع إليه مالا، أو لم يبين.. فهل يجب على رب المال أن يخرج الزكاة ثانيًا؟ فيه قولان:
أحدهما: لا يلزمه؛ لأنه دفع الزكاة باجتهاده، فهو كالإمام.
والثاني: يلزمه؛ لأن الإمام لا يتمكن من أكثر مما يعلمه، فلم يكن منه تفريط، ورب المال قد كان يمكنه أن يدفع إلى الإمام. فإذا لم يفعل.. لزمه الضمان. ولهذه المسألة نظائر قد ذكرناها في (استقبال القبلة).
وإن دفع الزكاة إلى من ظنه مسلمًا، فبان كافرا، أو إلى رجل ظنه حرا، فبان مملوكًا، أو إلى من ظنه عاميًا، فبان هاشميًا أو مطلبيًا.. ففيه طريقان:
أحدهما: وهو ظاهر النص -: إن كان الدافع هو الإمام.. فلا شيء عليه، قولًا واحدًا، وإن كان رب المال.. ففيه قولان، كالأولى.
والطريق الثاني: إن كان الدافع هو رب المال.. لزمه الضمان، قولا واحدًا، وإن كان هو الإمام.. فعلى قولين؛ لأن أمر هؤلاء لا يخفى بحال، بخلاف الفقير.
وإن دفع سهم الغازي، أو سهم المؤلفة، أو سهم العامل، إلى من ظنه رجلًا، فبان أنه امرأة أو خنثى.. قال القاضي أبو الفتوح: فيه طريقان، كالتي قبلها.

.[مسألة: لا تسقط الزكاة بالموت]

إذا وجبت عليه الزكاة، ثم مات قبل أن يؤديها.. لم تسقط عنه.
وقال أبو حنيفة: (تسقط).
دليلنا: أنه حق مال لزمه في حال الحياة، فلم يسقط بالموت، كدين الآدمي، وفيه احتراز من الصلاة، وممن مات قبل الحول.
إذا ثبت هذا: فإن اجتمعت مع دين عليه، فإن اتسعت التركة للجميع.. قضي الجميع. فإن ضاقت التركة.. ففيه ثلاثة أقوال، مضى ذكرها. وبالله التوفيق.

.[باب صدقة التطوع]

لا يجوز أن يتصدق بصدقة التطوع إلا بعد الفضل عما يجب عليه، كنفقة نفسه ونفقة عياله ودينه؛ لما روى ابن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وليبدأ أحدكم بمن يعول». قال أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: معناه: (عن فضل عياله).
وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «لا يقبل الله صدقة رجل، وذو رحمه محتاج» وقال أبو علي الطبري: فيحتمل أن يكون معناه: لا يقبل الله التطوع أصلًا، وعليه فريضة، فيكون فيه دليل على وجوب نفقة ذوي الأرحام، ودليل على أن وجوب الفرض يمنع من قبول النفل، ويحتمل أن يكون معناه: لا يقبلها كقبولها إذا تصدق بها على ذوي الرحم المحتاج، على معنى: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، أي: لا إيمان له كامل.
قال الصيمري: وقد قيل: ما أفلح رجل احتاج أهله إلى غيره.
وروي: «أن رجلًا قال: يا رسول الله، عندي دينار، قال: أنفقه على نفسك. قال: عندي آخر، قال: أنفقه على زوجتك. قال: عندي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على خادمك، فقال: عندي آخر، قال: أنت أعلم به، وروي أنفقه في سبيل الله».
ولأنه إذا كان عليه نفقة واجبة، أو دين، وتصدق بماله.. ربما تعذر عليه القضاء، وكان مرتهنًا به.
قال ابن الصباغ: فأما إذا فضل عن كفايته وكفاية من تلزمه نفقته على الدوام، ولا دين عليه.. فإنه يستحب له أن يتصدق بالفضل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وليتصدق الرجل من ديناره، وليتصدق من درهمه، وليتصدق من صاع بره، وليتصدق من صاع تمره»، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اتقوا النار ولو بشق تمرة».
وإذا أراد الرجل أن يتصدق بجميع ماله، إذا كان لا عيال له، ولا دين عليه، فإن كان قوي الإيمان، حسن المعرفة بالله والظن، بحيث إذا فعل ذلك، وأصابته شدة حاجة، صبر عليها.. استحب له ذلك، لما روي «عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال: حث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصدقة، فقلت في نفسي: لأسبقن أبا بكر غدا إن سبقته يوما، فلما جاء الغد.. جئت بنصف مالي، فوجدت أبا بكر قد سبقني، وقد حمل جميع ماله، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ما الذي خلفت لعيالك؟، فقال الله ورسوله، فقال لي ما الذي خلفت لعيالك؟، فقلت: شطر مالي، فقلت في نفسي: لا أسبقك في شيء أبدًا، وروي: والله، لا سابقت أبا بكر أبدًا».
وإنما قبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أبي بكر جميع ماله؛ لقوة إيمانه وحسن ظنه بالله تعالى.
وإن كان الرجل ممن لا يصبر على الحاجة.. كره له ذلك؛ لما روي: «أن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمثل البيضة من الذهب، وقال: خذها يا رسول الله صدقة، فوالله ما أصبحت أملك مالًا غيرها، فأخذها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ورمى بها إليه، حتى لو أصابته لأوجعته أو لعقرته، وقال: يأتي أحدكم، فيتصدق بجميع ماله، ثم يجلس يستكف الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى».
وروى أبو سعيد الخدري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قال: «دخل رجل المسجد، فأمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس أن يطرحوا ثيابًا، فطرحوا، فأمر له منها بثوبين، ثم حث على الصدقة، فجاء الرجل، فطرح أحد الثوبين، فصاح به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال: خذ ثوبيك». فيحمل هذا على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - علم أنهما لا يصبران كصبر أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
يدل على ذلك: ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنه قال: «إن لله عبادا لا يصلحهم إلا الغنى، ولو أفقرهم لأطغاهم، وإن لله عبادًا لا يصلحهم إلا الفقر، ولو أغناهم لأطغاهم».
إذا ثبت هذا: فيستحب أن يخص بصدقته قرابته؛ «لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لامرأة عبد الله بن مسعود: زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم».
قال أبو علي الطبري: ويقصد بصدقته من قرابته أشدهم عداوة له؛ لما فيه من تأليف قلبه، ورده إلى المحبة، ولما فيه من سقوط الرياء، فإن لم يكن له قرابة محتاجون، فالجار القريب إلى داره أولى من البعيد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى خشيت أنه سيورثه».
قال الصيمري: ولا بأس بصدقة التطوع على المسلم والكافر والذمي والحربي، وإن كان يستحب أن يخص بها خيار الناس، وقد روي: «لا يأكل طعامك إلا مسلم». ويستحب الإسرار بها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صدقة السر تطفئ غضب الرب».
قال الصيدلاني: فإن أبداها لا يريد رياء ولا سمعة، ولكن ليقتدى به، فحسن، ولا يستحب التعرض لأخذها؛ لما روي: «أن رجلًا سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأعطاه فأسًا، وقال: احتطب». ولا يحل للغني أخذها مظهرًا الفاقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من سأل الناس وهو غني جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح».
وتحل صدقة التطوع لبني هاشم وبني المطلب؛ لما روي عن جعفر بن محمد: أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة، فقيل له في ذلك. فقال: (إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة). وبالله التوفيق.